رواية داليا ج1

موقع أيام نيوز

منکسر كانت تجلس في غرفة المعيشة تغلي وتزبد تستمع لضحكاتهم التي خفتت تدريجيا حتى اقتحم غرفة المعيشة فالتفتت له ثم عادت لمتابعة التلفاز بذهن شارد فاقترب منها حاملا صينية الطعام وجلس بهدوء إلى جوارها وشرع في إفراغ بعضه في طبق أعده خصيصا لها وناولها إياه صامتا فالتفتت له قائلة بحنق
.. ياسلام بالبساطة دي بعد ماخلصت قعدتكوا جايلي بطبق شكرا 
وضع جاسر الطبق أمامها وقال بصوت جاف
.. أمي كانت مجمعانا تناقش معانا وصيتها بعد ما ټموت وزي ما أكيد أخدت بالك إحنا مش من عادتنا لا نتجمع لا على عشا ولا على غدا حتى 
فقالت ونبرتها لازالت مرتعشة بفعل الڠضب
.. کنت ممكن تنبه عليا لكن ده ميبررش معاملتها ليا بالشكل ده یا جاسر أنا مراتك 
هز رأسه موافقا
.. معاكي حق لكن أنا بطلب منك تعذريها هيا عمرها ما كانت بتتجمل في معاملتها مع حد والمړض زود الموضوع ده عندها 
هزت داليا رأسها رافضة لتلك المبررات السخيفة بنظرها
.. وعاوز تفهمني أنه سالي كانت بتقبل بالمعاملة دي أما كانت عایشه هنا معاها ولا بس المعاملة دي إكسيفلوسف ليا
ابتسم جاسر ساخرا وقال
.. آه كانت بتقبل وبتقبل بأكتر من كده كمان 
فرفعت داليا رأسها بشموخ وقالت بغیر تصدیق
.. بس مش معنی کده إني أقبل أنا بحبك آه لكن مش هبقل بأي إهانة لكرامتي 
زفر جاسر متعبا وعاد ليستند للأريكة وأغمض عيناه فبعد أحداث تلك الأيام المتعاقبة وتلك الليلة المشحونة والنبأ الذي حمله أخيه الأصغر لهم بات عاجزا عن المقاومة فأشفقت عليه رغما عنها واقتربت منه ومسدت كتفه وقالت بصوت هامس
.. بس مستعدة اتنازل المرادي عشان خاطرك 
ففتح عيناه ونظر لها مليا وقال ضائقا
.. وهعوضك مش كده 
تناولت الطبق الذي صنعه لها ودفعت بالمعلقة لفمه قائلة بدلال
.. کونك جيبتلي العشا لحد عندي وجاي تتعشا معايا وتصالحني ده تعویض کافي ليا 
نظر لها جاسر وهو يحاول سبر أغوارها أثناء مضغ الطعام الذي دفعت به لقمه والذي يجد صعوبة بالغة في إبتلاعة فهي شخصية متقلبة بإمتياز لا تساير مشاعرها بعفوية كما يستشعر كما أنها لا تمنحها الحرية المطلقة في التغلب عليها مثله تماما. 
انتهت من رفع طعام العشاء لأطفالها وساعدها الأكبر والأوسط فيما نام الصغير على الأريكة متعبا فنظرت له بحنان وقالت لأخيه
.. حسن خد أخوك ډخله ينام جوه 
هز حسن رأسه مطيعا وحمل الصغير الذي لا يتجاوز وزنه عشرون کیلو جراما ورن الهاتف في طريقه فقالت درية
.. هرد أنا روح أنت 
رفعت درية سماعة الهاتف قائلة
.. آلو 
فأتاها صوت والدها قائلا
.. كويس أنك صاحية 
جلست درية وقالت بهدوء
.. إزيك يا بابا 
قال والدها على عجالة
.. أنا

تمام خلصت مشوار الدكتور وجاي علیکی استنبنني متناميش 
نظرت درية لساعة الحائط المعلقة فعرفت أن والدها قد عزم على المبيت بمنزلها فجأة كما اعتاد فقالت دون حيلة
.. تنورنا يا بابا 
وماهي إلا نصف ساعة حتى كان والدها يستقر على المقعد بغرفة المعيشة فيما كانت درية تضع أمامه طعام العشاء فقال رافضا
.. لا أنا هاكل زبادي بس الدكتور موصيني متقلش بالليل عشان الحموضة 
ناولته درية ما أراد وقالت بتعجب
.. هوا حضرتك كنت عند الدكتور لوحدك 
قال فاكها
.. لاء طبعا هروح لوحدى إزاي طارق راح معايا ووصلني لحد 
هنا عقدت درية حاجبيها فأردف أبيها غاضبا
.. معقول نسيتی طارق 
ومع زجرة أبيها لها تذكرته على الفور وقالت بضيق
.. اللي غيرلي الديكور مع حضرتك 
فاعتدل أبيها في جلسته قائلا مؤنبا حانقا
.. اللي طالبك للجواز يادرية واللي مستني من ربة الصون والعفاف إشارة 
تنهدت درية وعظامها فعليا تأن بالتعب
.. يا بابا أنا كبرت وتعبت كفاية عليا مسولية ولادي مش حمل كمان أشيل مسئولية راجل 
فقال أبيها معترضا وهو يشيح لها بيده
.. مش مفترض بيكي تشيلي مسئوليته زي اللي الله يرحمه اللي اتجوزتيه من غير رضيا الكامل وإن كان عليه فهيساعدك في شيل ولادك .فين المشكلة بقي 
دارت عینا درية بحثا عن مخرج فقالت
.. طب ممكن نأجل الحوار ده . . 
قاطعها والدها بمسكة لكنها قوية قائلا بهمس وحدها تستطيع سماع ألم المرارة والحسړة به
.. كبرتي بس ناقصك تعقلي يادرية وتوزني الأمور صح متغلطیش غلطتي يا بنتي ولادك محتاجين راجل في حياتهم زي ما أنت كنت محتاجه لست في حياتك وأنت صغيرة وعاندت وقلت هعرف أعيش بطولي لحد ما فات الأوان لا مني عرفت أكمل حياتي من غير ست ولا مني لحقتك بأم 
أشاحت درية برأسها بعيدا وترك أبيها كفها وقال بصوت رزین
.. أرجعي حتى لكلام الدكاترة والمربيين وقوليلي لو طلعت غلطان راسك ناشفة أنا عارف 
همت درية بالإعتراض فقال وهو يقوم مشيرا لها كي تهدىء
.. أنا داخل أنام تصبحي على خير 
جاورت صغيرها وقبلت وجهه المطعم ببقع حمراء وصلت لذقنه وكلمات والدها لازالت ترن بآذانها وتلقي الصدى داخلها ووجه يرتسم بعتمة الغرفة لا يخص ذاك الطارق ولكن يخص من رسم البسمة على وجه صغيرها هذا النهار وجزءا من الليل فهو لم يتوقف عن الحديث معه وعنه بعد أن أوصلهما ظهيرة اليوم رغم إعتراضها البين فرفعت الوسادة فوق رأسها لتسكت الضوضاء داخل رأسها لعلها تستطيع الحصول على قسط من النوم 
ويبدو أنها ليلة مشحونة بالفعل كحال الليالي التي تقضيها بالمشفي مؤخرا فلقد انتهت للتو من عملية جراحية حرجة انتهت للأسف برحيل المړيض عن الحياة والأكثر أسفا أنها من حملت الخبر لعائلته التعيسة التي كانت بإنتظارها وكأنها تحمل ذنب رحيله عن الحياة ويداها ملطخة بدمائة جلست على الأرض الباردة في بقعة منزوية من أرض المشفى تبكي بصمت تلك العادة المزرية التي لم تستطع التخلص منها يوما كلما فقدت روحا جلست على الأرض تنعيها رغم بذلها جهدا خرافيا في إنقاذها إلا أنها إرادة القدير وامتدت يدا تؤازر ضعفها وتمدها بقليل من الراحة فأجفلت ورفعت رأسها فورا لتراه من خلف ساتر دموعها ينظر لها بحنان بالغ قائلا
.. مش ذنبك على فكرة 
نفضت يده ومسحت دموعها پغضب وقامت قائلة بصوت حاد
.. أنت عرفت مكاني منين 
رد بهدوء
.. اللي يسأل ميتوهش 
وكان هذا أسوء فالجميع أصبح يعلم بأمر بقعتها المنزوية المخصصة للبكاء ولاشيء سواه فعبست وارتسم الڠضب بعينها الزرقاء الحادة وقالت
.. وعاوز إيه 
تنهد قائلا ببساطة
.. أكلت عشا دسم شوية وقلت نشرب حاجة سوا أهو يمكن أعرف أهضم 
فقالت بوقاحة
.. يا برودك يا أخي وأنا اللي مدوقتش اللقمة من الصبح جاي تقولي تهضم 
واڼفجر کلاهما بالضحك فقال مشاكسا
.. مكنتش أعرف أنك طفسة كده خلاص تعالي أعشيكي واشرب أنا حاجة 
فردت مشاكسة هي الأخرى
.. لاء هتعشيني وتشربني كمان 
ثم توقفت عن الحركة فلقد استوعبت أنها وافقت على رفقته ولم تمانع والأكثر أنها لاتشعر برغبة في زجره كحالها مع الرجال والتراجع ثم قالت بتقدير
.. هروح أغير وأحصلك 
فأومأ برأسه موافقا وقال
.. وأنا هستناكي برة غيرت ملابسها بسرعة ورفعت خصلات شعرها دون أن تمشطها بربطة مطاطية سوداء ووضعت سترة من الجلد فوق سروال من الدنيم الأزرق هو المفضل لديها ولايفارق ساقها النحيلة وخرجت مسرعة كأنها طالبة هاربة من أسوار المدرسة لملاقة حبيبها المراهق حتى رأته يستند إلى سيارته الفارهة فزمت شفتيها وهي تشير برأسها لدراجة بخارية قائلة
.. بتعرف تسوقها 
حدق بها دهشا وقال
.. أومال فين اللامبورجينى 
ضحكت واعترفت بخجل
.. لا دي كانت سلفه من ابن عمي أول ما ملتني العنوان 
وأشارت له بحركة إصبع مميزة كأنما ما سوف تقوله يجب أن يحاط بإطار
.. كفر عبده .. 
ضاقت عيناه وقال يإهتمام
.. بقي ابن عمك سلفك

اللامبورجيني بتاعته الظاهر بيعزك أوي 
فقالت ريم بمكر
.. أخويا في الرضاعة ميعزش عليا حاجة 
هز أسامة رأسه وهو ينظر لها بإبتسامة واسعة
.. ربنا يخليلهولك 
وتراجع للخلف وفتح باب السيارة لها وقال
.. خلي الموتسيكل لوقت تاني يكون بالنهار 
لا تعلم لما سرت بتلك الملاحظة ألأنه يعدها بزيارة قريبة بالنهار ولكنها لم تتوقف للتفكير بالأمر فتلك هي طبيعتها تخوض وټقتحم أولا وترجیء الحصول على النتائج لما بعد ففيم العجلة صعدت لسيارته ووضعت حزام الأمان كما اعتادت أثناء معيشتها بالخارج ففعل بالمثل وقال
.. هاه تحبي نروح فين 
تراجعت للخلف رافضة التفكير بالأمر قائلة دون مبالاة
.. أنت اللي عازمني ماليش فيه 
انتهت من جلي الأطباق ووضعت البراد على الموقد قائلة بصوت مرتفع لتسمعها أمها
.. تشربي إيه يا ماما 
فقالت مجيدة
.. اعمليلي ينسون يا سالي
هزت رأسها وقالت
.. من عنيا حاضر 
وفجأة رن جرس الباب فقالت أمها متوجسة
.. خير يارب مين هيجلنا الساعة دي 
وضعت سالي وشاحها فوق رأسها وقالت لأمها
.. خليكي يا ماما أنا هشوف مين 
اتجهت سالي صوب الباب وقالت
.. مين اللي بيخبط 
أتاها صوت أختها الكبري باكية
.. افتحي يا سالي أنا سیرین 
فقفزت أمها من على المقعد وجلة وأزاحت سالي المزلاج بسرعة وفتحت الباب لتتلقفها أحضان أمها الباكية وخلفها صغارها الأربعة وقالت سیرین بیکاء حار
.. أنا خلاص مبقتش قادره استحمل ياماما طلقوني وريحوني بقا 
تنهدت أمها براحة وقالت
.. يا شيخة خضتيني حرام عليكی ادخلي ادخلوا ياولاد حبايبي حبايب تيته 
ومضت تقبل رأسهم وهي تقول
.. ربنا يهديلكم أبوكم وأمكم اتعشيتوا يا حبايبي 
هز الصغار رأسهم نافيين فرفعت مجيدة أنظار لائمة لأمهم وتولت سالي المهمة قائلة
.. ادخلوا غيروا هدموكوا وأنا حالا هجيبلكم السندويتشات ياحبايبي 
انصرفت سالي لمهمتها فيما أجلست مجيدة إبنتها الكبرى وقالت
.. مش تعقلي بقا ياسیرین 
فقالت سيرين غاضبة
.. أنا مستحملاه وجبت أخري إشمعنا سالي يعني 
رفعت أمها كفيها وقالت پعنف
.. اسكتي اسكتي متجيبيش سيرة الموضوع ده خالص أنت مفکراني فرحانة بيها وهيا قاعدة جمبي وبعدين أختك في رقبتها واحدة أنت في رقبتك أربعة واللي عمله جوزها مش شوية إنما أنت معتصم عملك إيه 
فقالت سيرين هامسة پقهر
.. خلاص مبقتش طيقاه لا أسلوبه ولا كلامه ولا قادرة استحمله كل يوم والتاني يبكت فيا وآخرة المتمة بيعایرني أن سالي اطلقت مرتين 
أظلمت ملامح مجيدة وقالت بصلابة
.. کدهوه ماشي سيبهولي أنا لیا صرفة معاه أدخلي دلوقت اشطفي وشك واتعشي ونامي جمب ولادك عشان تعرفي تفوقيلهم الصبح أختك نزلت شغل وأنا مقدرش أراعيهم لوحدي 
تفاجئت سیرین بذاك النبأ فقالت
.. اشتغلت امتی ومقولتوليش ليه 
أشاحت مجيدة بيدها
.. أنت في أيه ولا في إيه نزلت تشتغل مبقالهاش أربع أيام 
فقالت سیرین حانقة
.. وهوا جاسر مش هيبعتلها على الأقل نفقتها إيه اللي يجبرها على المرمطة هوا كان ناقص فلوس
فقالت مجيدة بتعب
.. أختك اللي مش عاوزة منه مليم وأنت عارفة نشوفية دماغها فالمواضيع اللي زي دي 
فقالت سیرین معترضة
.. ایوا بس ده حقها 
فتنهدت مجيدة قائلة
.. بالله عليكي ياسيرين يابنتي أنا تعبانة وخلاص معدتش فيا نفس أجادل أنا داخله أنام تصبحي على خير 
هزت سیرین رأسها بأسف وقبلت يد أمها وقالت بأسف عارم
.. حقك عليا ياست الكل 
ربتت مجيدة على كتفها وقالت
.. ربنا يهدي سركم 
وانصرفت إلى غرفتها وقامت سيرين لتجه
تم نسخ الرابط