رواية يسرا الجزء الثالث
وعبرت البوابة نحو القصر وقفت أمام الباب المعدني الضخم دون أن تطرقة وكأنما هبت عليها نسمة من نسمات ذكرياتها المؤلمة لتذكرها بلحظات قوتها وضعفها في آن واحد.
فمنذ بضعة أشهر فقط كانت تقف متزينة برداء خطبتها ومزدانة ببضعة كيلوجرامات زائدة تنظر له الألم يخترق أضلعها ويفتت مفاصلها من ثم يسحق عظام صدرها وهو يصطحب عروسه الفاتنة ويسير نحوها غير عابیء بشظايا قلبها التي تناثرت مع حبات الملح فوق رأسيهما ومع ذلك تماسكت بقوة تحسدها عليها الكثيرات ممن قد يوقعهن حظهن العثر بنفس موقعها فلم هي الآن خائڤة ترتجف تهرب من نظرة ونبرة حميمة مسكونة خلف أغنية قديمة وبضعة صور لم تشفع لها عنده برحمة أو بشفقة زفرت الهواء المحتبس داخل صدرها إن كان هو يعمد لذكريات أعوام مضت فهي تعاني من فقدان ذاكرة للأحداث بعيدة الأمد وما تذكره فقط لن يتعدى الأشهر القلائل الماضية طرقت الباب بحزم حتى فتحت لها نعمات واستقبلتها بابتسامة بشوش فخاطبتها لائمة
وقع اتكسر ماعدتش أشوف زي الأول فربنت سالي على كتفها مؤازرة
ربنا يديكي الصحة و الولاد جاهزين تنهدت نعمات
من بدري ولما أتأخرتي راحو يلعبوا في الجنينة اللي وره مع باباهم أشارت لها نعمات التقدم فرفضت قائلة
هستناهم في العربية ياريت تبلغيهم همت نعمات بالاعتراض ولكنها مالبثت أن هزت رأسها طائعة وانصرفت تاركة سالي تعود أدراجها نحو سيارتها خطت سلمى الباب المعدني جريا نحوها يتبعها سليم برفقة جاسر ودون تفكير أدارت سالي خاتمها الذهبي في إصبعها ليبدو وكأنها لازالت تحمل خاتم خطبتها دفنت سلمى بأحضانها ثم اتجهت نحو سليم الذي كان يحمل حقيبته رافضا أي ملمح من ملامح التقارب الجسدي معها فعلت وجهها خيبة الأمل حتى أنها رفعت أبصارها غاضبة نحو جاسر الذي كان يبدو ملاحظا للتغيرات التي طرأت على صغيره ومع ذلك ظل صامتا وداخلها شعورا بأنه يعزز مشاعر الطفل السلبية نحوها فقالت مرحبة بالصغيران
معلش مش هتكرر تاني إن شاء الله الافتتاح خلاص الأسبوع الجاي فردد جاسر مستفهما
افتتاح!
فرفعت له سالي وجهها وقالت بهدوء
مرکز خيري لعلاج أسنان الأطفال فضاقت عيناه وهو يقول
وياترى أنا معزوم ولا غير مرحب بيا
فردت بهدوء
أكيد ومش أنت لوحدك كمان أسامة وزياد معزومين المركز بإسم والدتك الله يرحمها ولولا الفلوس اللي سابتها في الوصية ماکنش هيبقاله وجود ارتسمت الدهشة على ملامحه فأردفت لتثير حنقه
أصلا . . هه . . وأنا اللي كنت فاكر أنه زمن معرفتكم قصير فقالت بإبتسامة حالمة قبل أن تصعد لسيارتها
العبرة مش بالوقت ولا أد إيه بقالنا نعرف بعض العبرة بالتغيير الممتاز اللي عمله في حياتي وأحكمت وثاق حزام الأمان ثم انطلقت بسيارتها مسرعة غير عابئة به ولا بغضبه الذي بلغ عنان السماء حتى أنه ركل كل قطعة حصى مهما بلغت صغرها في طريق عودته للقصر ومع ذلك فهذا الفعل لم يمنحه أدنى قدر من الهدوء وعندما حل موعد النوم احتوتهم سالي بفراشها وجذبت رأس سليم الذي كان هادئا للغاية إليها وقالت لهما
آه يا خۏفي منك أنت یا رویتر لو على سليم فأنا عارفة إنه عمره ماهيقول حاجة فشجعتها سلمى لتخبرهم بسرها فقالت بنبرتها الطفولية وهي تجذب يدها بإصرار
لاء قولي قولي مش هقول مش هقول نظرت سالي لسليم وقالت
هيفضل سر یا سليم فهز رأسه مؤكدا لها صامتا وكذلك فعلت سلمى فأردفت سالي
أنا خلاص مش هتجوز عمو کریم فاتسعت عينا سليم واشرقت السعادة على وجهه
ونظر لها غير مصدقا قائلا
بجد!
فيما نظرت لها سلمى وعيناها معلقة بها بغير فهم فقالت سالي بحنانها الفطري
أنتوا عندي أهم من أي حد في الدنيا وداعبت سلیم پصدمة خفيفة لجبهته برأسها قائلة
خلاص مش زعلان مني فاحمر وجه سلیم خجلا وقال بصوت خاڤت
أنا بس ماكنتش عاوزك تسيبيني فجذبتهما سالي قائلة بدفء
ولا يوم أقدر ثم قالت بنبرة أكثر حزما
بس زي ما أتفقنا ده سر مابينا ماحدش يجيب سيرة لبابا عليه فابتسم سليم وكذلك سلمى ظنا منها أن تلك لعبة يلعباها سويا مع أبيهما
ظلت تستمع لصحيات آشري المبتهجة وهي تناقش معها تفاصيل حفل زفافها القادم عبر الهاتف حتى قالت بهدوء
مبروك يا آشري