رواية يسرا الجزء الاول

موقع أيام نيوز


لوجدت أنها لا طائل منها بل ولا داعي لها هي ماعادت طفلة ولكن مع ذلك أخذت بفرد أصابع كفها وضمهم مرة أخرى والشعور بحاجتها للكم أحدهم أصبح ملحة خرج من غرفته فجأة حاملا سترته وقد أعد نفسه للرحيل فنظرت للساعة خلفه متعجبة فالوقت لم يتجاوز الرابعة عصرا ! فعادت ترمقه بنظرات غلب عليها طابع الشك فيما وقف هو يطالع لوحة وجهها التي تحمل كل المعطيات السلبية من غيظ وقهر وڠضب فقال بحدقة ضيقة
.. يظهر إنك تعبتي روحي يا درية 
فقالت وهي ترمقه بنفس النظرة المتشككة
.. والتقرير الربع سنوي إيه مش عاوزه 
هز رأسه نافيا

.. يتأجل ليوم السبت 
فاعترضت بسرعة
.. بس أنا هاخد السبت أجازة 
هز كتفه ببساطة
.. خلاص أما ترجعي 
هتفت لتستوقفه زاجرة
جاسر أنت فعلا هتمشي دلوقت الساعة لسه تلاته ونص
الټفت لها ساخرا
.. معلش أصلي رايح اتغدي مع ولادي عندك مانع!
هزت كتفها لا مبالية وغمغمت وهي تغلق الحاسوب أمامها
.. وماله بالسلامة
ألقي نظرة سريعة على ساعته بمعصمه لدى توقفه أمام متجر للألعاب شهير بوسط المدينة وترجل من سيارته بخطوات سريعة وبحركات تحمل نفس الوتيرة انتقى ألعابة لطفليه نقد البائع ثمنهم الذي تجاوز بضعة مئات وخرج حاملا إياها عائدا لسيارته مرة أخرى وفي طريقه استوقه متجرا للزهور وتجمدت قدماه اللحظة وهو يفكر أنه لم يعد يوما حاملا لها زهورا ! في الواقع ولا أي هدية قط مكتفيا بمنحات شهرية ضخمة وحديقة القصر الواسعة ملئی بشتى أصناف الزهور ومضى مرة أخرى نحو سيارته وهو يسخر من نفسه فهل سيشكل فارقا إن عاد يوما بزهور أتراها لم تكن لتتركه ومع ذلك أقر بواقعية أنها كانت لتشكل فارقا بعلاقتهم متی توقف ليري الفوارق  بل متی توقف عقله ليعقد المقارنات بين السابقة والحالية  بالأمس القريب حمل لها طعامها وهو الذي لم يحمل نفسه من قبل بإعتذار كان ينبغي عليه أداؤه لسابقتها بل تجاهله إذ لم ترد هي بطلب أو اعتراض فمن المخطيء هو إذ تجاهل دوما الإشارات أم هي إذ انصاعت دوما لوتيرة حياته وصخب کبریاؤه العنيد 
أول من استقبله نعمات تصحيح بل نظرات نعمات فالعيون مفتاح الشخصيات وعنوان صريح لما تحمله القلوب وهي أيضا مذياع ثرثار يحكي ويسرد خواطر العقل فابتسم هازئا وهو يلقي عليها السلام قائلا
.. خير يا نعمات شوفت عفريت ولا حاجة 
تنحنحت نعمات وتخضبت وجنتها باللون الأحمر وقالت
.. أبدا بعد الشړ یا جاسر بیه أصلك مش متعود ترجع بدري بالنهار كده 
نظر في ساعته وقال مصححا
.. قصدك العصر وداخلين على المغرب وبعدين إيه مش من حقي أرجع بيتي بدري ولا إيه 
نفت نعمات وهي تمد يدها لتحمل عنه الأكياس
.. لا طبعا العفو ياجاسر بيه عنك أنت 
ابتعد عنها وقال
.. سيبيهم یا نعمات أنا عاوز أديهم للولاد بنفسي 
واستدار لها قبل أن يصعد للأعلى قائلا
.. هما فين صحيح 
فقالت بمكر
.. في أوضتهم مع مامتهم 
تجاهل نظراتها الماكرة ونبرة صوتها المتشفية بمصدر عڈابه ومضي بهدوء نحو غرفة صغاره ولحسن حظه أن الباب لم يكن مفتوحا على مصراعيه وما كان مغلقا أيضا بل كان ليشكل مطلا سريا على النعيم بنظره صغيره سليم المتجهم دوما على غير العادة فمه يفتر عن بسمة سعيدة راضية وصغيرته سلمی تناوشه بشقاوة محبة وترسل لأمها ببضعة قبلات التي كانت بدورها تضحك بسعادة وكان بسمتها عدوی فانتقلت فورا لثغره وهو يطالع وجهها الذي ينير برضا وحب وهي تلاعب صغارهم وأسرت عيناها خصلات شعرها البنية الدافئة التي اشتاق لملمسها ولرائحة اللافندر التي هي طابع خاص بها ووشت به صړخة سلمى الشقية وتقافزت ساقيها نحوه
.. بابا 
فالتفتت پعنف لتتقابل أعينهم وهو لا يحيد عنها بنظراته النهمة وقامت بسرعة تبحث عن وشاحها الذي وضعته جانبا فيما حمل سلمي وهي تسأله بإلحاح
.. جبت إيه جبت إيه  إيه الحاجات الكتير اللي في الكيسة دي!
فابتسم لها وعيناه تتابع تلك المرتبكة وهي لا تزال تدور بالغرفة کنحلة طنانة وبمكر شديد أخفی وشاحها بما يحمله من أكياس كبيرة وقال ليرد علي صغيرته اللحوحة وهو يقبلها بدوره
.. فيها حاجات هتعجبك أوي بس الأول خليني أسلم على سليم 
الټفت لصغيره الذي كان يراقب المشهد بعيون تسابق عمره فأمه تبحث عن وشاحها لتغطي رأسها وهي التي كانت تبيت معهم بثياب منزلية لا تستر الكثير من جسدها ووالده يقف بعيدا عنها كغريب يراقبها بشوق ولا يسعة الاقتراب قال جاسر وهو يقترب منه مقبلا جبهته قائلا بصوت مرتفع
.. إيه رأيك ياسليم تروحوا تباتو مع ماما النهاردة!
وتوقفت عن الدوران وداخلها مشتت بين فرح وغیظ بالغ محاصرة هي في تلك الغرفة تبحث عن أمان زائف يستقر بين ثنايا وشاح وما يزعجها حقا هو تقافز دقات ذاك الخائڼ طربا عندما سمعت صوته وأفكار تتلذذ بكونه يقف بالخارج خلسة يراقبها لولا أن ڤضحت أمره صغيرتهما والعقل ينهر ويشجب
 

تم نسخ الرابط