الذي أصاب الأربعون كرمح لا يخطىء فوصل مداه بل وتخطاه بثلاثة كاملة مكتفيا بمهنته السامية وبنجاحه وبخطبة وحيدة أثمرت عن ستة أشهر لا أكثر بعدها هجرته لآخر أكثر مالا وسطوة صوت التلفاز أثار استياء الجارة في الشقة المقابلة علمت ذلك فور تطلعها لملامحها المنقبضة والغير راضية بالمرة بل وأنها حاولت مخاطبتها ببعض كلمات الأسف التي أصبحت تبتلعها كل صباح ومساء فلم يصل لسامعي جارتها والسبب صوت المذياع الذي انضم للحفلة المسائية التي يقيمها صغيرها دفعت الباب ووضعت أكياس البقالة پعنف ومضت نحو لوحة المفاتيح التي تتحكم بكهرباء المنزل وأطفأتها بحسم فڠرقت الشقة في ظلام دامس وبعد لحظات اصطدمت عيناها بضوء المصباح اليدوي المنبعث من كف صغيرها وهو يكتم ضحكاته فتقدمت منه غاضبه ونزعته من يده ووجهته نحوه وهي تقول پغضب بالغ
.. أنا كل يوم أرجع ألاقي المهرجان ده شغال!
رد صغيرها
.. وأنا أعملك أيه أنت اللي بتتأخري وبحس البيت فاضي من غيرك
تهدلت كتفاها بتعب ونظرت إليه ولملامحه المشاكسة تماما مثل أبيه بارع وبشدة في إشعارها بأن الخطأ خطؤها بالأساس والذنب كان ذنبها بالأصل بل وعليها تقديم إعتذار فوري وحاسم فرفضت بعند تلك المرة وقالت
.. فين أخواتك
أجاب متبرما
.. عمرو في الدرس وحسين حاطط السماعات في ودنه ونايم
تركها ومضى فى الظلام يتحسس طريقه
.. حضرتلك الغدا مع عمرو اتغدى هوا قبل ما ينزل مع حسين وأنا قلت أستناك بس كنت غلطان
تمالكت ضحكاتها المختلطة بدموع الذنب وهي تراقب رحيله الغاضب نحو غرفته وهي تفكر بل هو أبيه أغلقت التلفاز والمذياع وتحسست بقية الأجهزة تحسبا وبعدها أعادت المفاتيح لوضعها وعمت الأنوار أرجاء شقتها الواسعة الغرف كلها مضاءة حتى حمام الضيوف! فصغيرها رغم شجاعته وحماقته اللامتناهية يرهب الوحدة كأي طفل في عمره دخلت غرفته التي يتشاركها مع أخيه الأوسط وهى تخاطبه
.. متزعلش يا أيهم ..يعني عاجبك كل يوم أرجع الأقي طنط اجلال مقبلاني بالشكل ده
جعد أنفه بحركة صبيانية مشاكسة
.. وأنا مالي بأم أويق دي
عنفته سريعا
.. ولد! أتأدب ..ميصحش تقول عليها كده
ظل عابسا بل وصمم على مزيد من التجاهل همست وهي تقترب
.. اللي خلف ممتشطالع عنيد لأبوك
جذبته بحنان وقبلته بدفء وهي تعبث بخصيلات شعره الغزيرة الناعمة قائلة
.. أنا هروح أتشطف وناكل سوا
واطمأنت قبل أن تخرج على الآخر الغارق بسبات نوم لا ينتهي إثر كل مباراة قدم يشترك بها فريقه ورفعت في طريقها للخارج ملابسه المتسخة التي ألقاها بإهمال وقبل أن تخلع ملابسها قامت باتصال هاتفي مع والدة صديق إبنها الأكبر والتي يقام فى منزلها درس الرياضيات لتطمئن على ابنها.
أن تفقد الأنثى إهتمامها فجأة بالرجل فهذا يعني أنها قد توقفت عن حبه بل ربما كراهيته أيضا منذ زمن بعيد ولكنها لم تفقد إهتمامها به قط ولا توقفت عن الشغف به وبكل تفاصيله حتى أنها وبعد مضي الساعة لازالت تنتظره بالشرفة تفتقده وتشعر بالقلق البالغ عليه ولكن كبريائها أو بالأصح بقايا كبرياء استقرت داخلها تمنعها من أن تفعل وتريح على الأقل قدميها ولا داعي لذكر العقل الذي توقف عن العمل منذ أن تخطت الساعة منتصف الليل بكثير فالقلب قام بالمهمة على أكمل وجه ومر بخاطرها كل الظنون والمساوىء اللعېنة التي قد تصيبه أثناء غيابه وطرقت برأسها للمرة الألف ربما لهاتفها الساكن فوق الطاولة تراجع إشارته وصوته إذا مالذي يمنعه من الإتصال والنزول من عليائه قليلا ليتصل بها ويطمئنها عليه لو إمكانها الإتصال به كما كانت تفعل بالماضي..الماضي الذي يعد بالنسبة لها ماض سحيق يعود ربما لأول سنة من عمر زيجتهم كان أحيانا كثيرة يقابل نوعية تلك المكالمات القلقة من جانبها بشيء من النفور حيث أنه لم يعد طفلا صغيرا ولكن الأمر أضحى تبرما واضحا لإضاعتها وقته الثمين بتلك الأسئلة الفارغة التي لا معنى لها سوى أنها تعاني من فراغ وضيق أفق بين وتوقفت عن الإتصال به..فقط للطوارىء.. كانت تلك كلماته بالتحديد عدا ذلك لن يرد عليها وما هي الطوارىء بالنسبة له سوى مكروها أصاب والدته المصون أو أحد الأبناء بعيد الشړ أو هي قالها على إستحياء وربما كان داخله يظن أنه لا مانع هكذا توقن وهكذا توقفت عن الإتصال به حتى في الطوارىء التي حدثت مرة أو اثنتان وتكفلت الجاسوسة نعمات بالإتصال إذ وقع سليم من أعلى الدرج مرة كلفته شقا أسفل ذقنه ومن ستر الله لم يكن ظاهرا للأعين ولكنه كان في نظره چرحا بليغا مهولا چرحا يجسد تقصير وإهمال منها هكذا كانت هي دوما المقصرة بحق أبناءه أمه وهو ..الجميع باختصار! وعاودت النظر للهاتف مرة أخرى وأبدا هي لن تتصل به ولكنها ستظل واقفة لساعة أخرى ربما تنتظره وبعد أن يعود ستتظاهر بالنوم كما كانت تفعل منذ أسبوع تقريبا فبعد أن تحسنت الأجواء نسبيا بينهما وشعرت سوسن خانون بتلك الهدنة المؤقتة حتى أشعلت حربا جديدا معها وكالفراشة الساذجة التي تنجذب للهب مرة بعد الأخرى وقعت بشرك مؤامرتها التي لا تكف عن اللجوء لها افتعال مشكلة ما تتطاول فيها عليها بالإهانات فلا تسكت سالي ولا تنتبه أنها دوما تختار توقيتا مثاليا يكون فيه جاسر على وشك العودة والدخول للمنزل ليرى أمه بهيئة أقرب للإغماءة وزوجته وقد اشتد ڠضبها واحمر وجهها وصوتها يهز أركان المنزل الواسع ولكن تلك المرة كانت سوسن خانون