رواية يسرا الجزء الثاني

موقع أيام نيوز


جذب أطراف الحديث معه فقلب الفتاة دوما يبدأ من حيث أبيها 
عاد للقصر بمزاج معتدل وما أن دلف من خلال الباب المعدني الضخم حتى انقبضت أساريره فهو تذكر للتو بالمواجهة القريبة التي حتما سيلاقيها فارتسمت على وجهه تلك المعالم الغامضة التي تجعل من يقابلها يشعر وكأنه ارتكب حماقة رغم أنه لم يخطىء بشيء ولكنها استقبلته بترحاب شديد حتى أنها ألقت بنفسها بين ذراعيه قائلة
.. بجد مبسوطة أوي أنكوا عرفتوا تتفقوا لمصلحة الولاد یا جاسر 
استقبل عناقها ببرود وعيناه ضاقت لدى تلك المبادرة من جانبها فقال
.. وأنت إيش عرفك اللي اتفقنا عليه 

هزت رأسها ومنحته قبلة على وجنته وقالت
.. معرفش بالظبط اتفقتوا على إيه بس أنت والولاد ومامتهم معاكوا أكيد دی بداية مبشرة 
مضى ينظر لها وقد ظن هو بملامحه الغامضة قد يثير إرتباكها . لشدة سذاجته ! فقال بصوت مرهق
.. خلي نعمات تحضر الغدا عبال ما أغير هدومي 
رسمت في الحال ملامح طفلة مستنكرة واقتربت منه تربت على صدره بدلال
.. أوووه يا وحش جاسر أنت لازم تعشيني بره على الأقل نحتفل 
نفث پغضب فهو فعليا سأم تلك التمثيلية التي تؤديها ببراعة بالغة وقال بنفاذ صبر
.. نحتفل بإيه أنا مش عارف
فابتسمت بمكر وقالت بهدوء
.. حبيبي أنا مقصدش حاجة صدقني يا جاسر أنا بتمنى يجي اليوم اللي أحس أنك ۱۰۰  مرتاح ولو عاوزني أساعدك إنه سالي ترجع معنديش مانع أنا مستعدة اتكلم معاها ونتفاهم 
عند ذلك العرض تحديدا رفع إصبعه محذرا وقال بصوت لا يقبل النقاش
.. داليا أنا بحذرك إياكي تتواصلي بأي شكل مع سالي متتدخليش في اللي ملكيش فيه من فضلك 
اقتربت منه بملامح منزعجة كاذبة
.. بيبي أنت فهمت إيه  أنا . . 
قاطعها محذرا
.. أنا اللي عندي قولته وأظنك فهمتیه کویس 
راقبته وهو يصعد لغرفتهما وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة بطيئة المنحنيات والثقة تلمع بعيناها بحسن تصرفها فعلى مدار ساعة فائته قضتها غاضبة حانقة تخطط للخطوة التالية بكيفية الرد والاعتراض والرفض وجدت في اللحظة الأخيرة أن مد أيادي العطف والخير نحوه ونحو السابقة سيدر عليها ربحا أكيدا في حين أنها لو عمدت للاعتراض أو الزجر فالهجر سيكون من نصيبها وعندها ستنصاع مرغمة لما سوف يمليه عليها . أما الآن فهي تمسك بالخيوط مجتمعة في قبضتها وأحكمت الوثاق حوله  
دخل الغرفة فجأة وهو يقول لاثما
.. إيه يا ابني ب . . . . 
وتوقف في منتصف الغرفة الخاوية ينظر حوله ببلاهة ونادي على الخادمة وهو يتساءل
.. زیاد راح فين 
هزت الخادمة رأسها نافية
.. معرفش يا بيه جه الضهر لم حاجته ومشي من غير ما يقول حاجة 
صرفها شاكرا ورفع هاتفه ليطلبه بنفاذ صبر ولكن تلك الرسالة المسجلة المبهمة والتي لا تهديه أي معلومة سوى أن أخيه غادر وأغلق هاتفه في رسالة واضحة المعالم أنه لا يريد إتصالا مع أيا ماکان فلم يجد أمامه سبيلا سوى ترك رسالة زاجرة لبريده الصوتي على الأقل أما تمشي تسبب تليفونك مفتوح الواحد يعرف يوصلك كلمني أما تعقل .
أكون أو لا أكون تلك المقولة التي انطلق بها قلم شيكسبير على لسان هاملت بطل مسرحيته الشهيرة لتصبح قاعدته الذهبية في الحياة ما یکونه جاسر سليم وما لن يصبحه ما دام دق أيسره ينبض هو حامي الحمى والمدافع الأول والأخير عن عائلته الصبور والمندفع في الوقت ذاته المخلص رغم كل ما تعرض له من خیانات حتى من أقرب الناس إليه ولن يكون خائڼا متخاذلا قط وأبدا لن يكون راجيا لصفح وإشارات عطف ومنة من بشړ وبخاصة عندما تكون إمرأة وعلى وجه التحديد زوجته السابقة.
باقي من الزمن أربع وعشرون ساعة وتنتهي أشهر العدة وعقارب الساعة عنيدة مثله تتقدم ولن تعود للوراء أبدا كما لن يتراجع هو عن عهدا قطعه على نفسه لن يجبر إمرأة على العيش معه تحت سقف واحد مادمت به حياة لمعت عيناه بدكنة الظلام واستدار محدقا في عقارب ساعة الحائط التي تجاوزت الثانية عشر وهو لا يزال ساهرا بحجة أعمال متأخرة وقد غادر الجميع منذ ساعات طويلة واستفاق من ظلمة أفكاره ليعود لأرض واقعه واقع أصبح لزاما عليه أن يقره سنوات مضت بحياته مع من أحبها قلبه حتى تخلت عنه وتركته ولم تعد حتى اليوم ربما يحمل وزرا فهو من تشبث بالعناد ولكنها كانت صاحبة القرار وهو ليس مراهقا متشبثا بأحلام يقظة أو متعلقا بنهاية فيلم رومانسي من حقبة الستينيات ليظنها ستعود له في اللحظة الأخيرة ومع ذلك توجت حياتهما بالكلمة التي تختتم كل قصة وفيلم وحكاية النهاية ببساطة لقد انتهيا وطوت صفحتهما سويا ولا سبيل لإعادة النقش فوق صفحات اهترأت بالأوجاع وانتهت بختم الفراق.
عاد للقصر الساكن وصعد بهدوء فوق الدرجات الرخامية ثم توقف لبرهة أمام غرفة أمه الموصدة اقترب مترددا من الباب ولكنه توقف عندما أمسكت يداه
 

تم نسخ الرابط